سيبقى نور الدعوة ساطعًا هازِئاً بالظلام!!!!
لن يخمد صوت دعاة الإصلاح في هذه الأمة ، مهما قست المحن ،
واشتدت الأزمات ، ولسوف يقيض الله - تعالى -
في كل زمان ومكان مَن يحملون راية الدعوة وينيرون مشاعلها ،
ويبذلون من أجل الحفاظ على مبادئها المُهَجَ والأرواح ،
غير مبالين بمصاعب الطريق ، ولا عقبات المسير،
سيمضون مستعلين بإيمانهم ، معتزِّين بعقيدتهم ساعين إلى غايتهم ،
لا تنحني لهم هامة ، ولا تلين منهم قَناة ، يأمرون بالمعروف ،
وينهون عن المنكر، ويبلغون رسالات ربهم ،
يريدون وجهه ، ولا يقصدون أحدًا سواه.
إنهم الفئة الظاهرة على الحق ، الموعودة بالنصر والتمكين ،
والتسديد والفلاح ، قال تعالى :
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ،
حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ).
وتاريخ الدعوة حافل بنماذجَ وعناوينَ من أتباع هذه الفئة وأعوانهم ،
جاؤوا - خلال مسيرتها - على قدر، فلفتوا الدنيا إلى نور ربها ،
وعدلوا ما اعوجَّ من سلوك أهلها
وأقاموا ما وَهِيَ من بنيان الفضيلة وصرح الأخلاق ،
وكانوا العقلَ الجديد الذي استنارت به الأمة ،
والرئة السليمة التي تنفست من خلالها.
وبذلك انتصر الخير في كثير من جوانب الحياة ،
وتنبَّهت الأمة إلى الخطر المحيط بها ،
والمخطط المدمر الذي أُحكم حولها ، والأدوات التي أعدت لتنفيذه ،
ممن استغواهم الشيطان ، وجذبهم بريق المال ،
واستذلهم وهمُ المنافعِ ، فارتمَوا على الأبواب والعتبات وقدموا دينهم ،
وأخلاقهم ، وإرث أسلافهم قربانًا لكرسي ،
لا يلبث أن ينزع منهم ، أو منصبٍ ، عما قليل سيحول إلى غيرهم.
ولسنا بحاجة لإعمال ذهن ، أو إجهاد فكر، لندرك كيف استطاع
المخلصون من دعاة الإصلاح أن يُؤدوا واجبهم ،
وينصحوا لأمتهم ، ويجنبوها المزالق والعثار.
نعم ،،، لسنا بحاجة إلى شيء من ذلك ،
فواقعنا المعاصر خير شاهد على نجاح جهود المخلصين من الدعاة ،
وانتشار أفكارهم ومبادئهم ، برغم قسوة الواقع حولهم ،
وتكالب الأعداء وتكاتفهم ضدهم ، وبرغم استسلام الأمة لليل مظلم طويل ،
جثم فيه الاستعمار المادي والفكري على الصدور، فكمم الأفواه ،
وعطل الطاقات ، وخلط المفاهيم ، ووضع من الوسائل
ما حسبه كفيلاً بدفن الأمة ، ومسخ هُوِيَّتها ، والقضاء عليها
قضاء لا نهوض معه ، ولا حياة بعده.
وكان أبرز وسائلهم المدمرة ما أوجدوه من تلك المذاهب
والمدارس الفكرية المنحرفة في نشأتها ، وسلوكها ، وفَهْمها ،
وأصل عقيدتهاوالتي انساق وراءها عددٌ كبير من أبناء الأمة
بمختلف شرائحها وطبقاتها.
وهمْ بين ماكرٍ مضلٍّ ، بصير بدرب الغَوَاية والضلال ،
يخطط لتقويض أركان هذا الدين ، وتشويه جماله ،
وطمس معالمه مندفعًا وراء أحقاد دفينة ، وثارات موروثة ،
وبين مخدوعٍ ضعيف الفكر، قليل العلم ، حائر بائر،
لا يميز منكرًا من معروف.
وإنك واجدٌ بين هذين الصنفين طرازًا آخرَ، همُّه المصلحة والانتفاع ،
يمتطي متن كل موج ، ليبلغ الشاطئ المقابل ،
حيث توزع الغنيمة ، ويقسم الفيء ،
وما عليه بعد ذلك في أي وادٍ هلك الناس.
قدر الله غالب :
ولقد مضت سنة الله - تعالى - أن لا يذر المؤمنين على حالة تسوءُهم ،
حتى يميز الخبيث من الطيب ، ثم يتولى أولياءه بالعناية والرعاية ،
والهداية والتسديد.
وتحققت سنة الله هذه في مطلع قرننا هذا - القرن الواحد والعشرين -
فصَحَتِ الأمةُ على أصوات البررة من المخلصين من أبنائها ،
مبشرين ومنذرين
فجَأَها الصوتُ ، بل أذهلها ، فاستغربتْه بادئ ذي بدء ،
لقد بَعُد عهدُها بسماعه ، حتى نسيته أو كادت ،
لكنها ما لبثت أن تيقظت منها المشاعرُ ، وتنبهت الفطرة
وألقت القلوب السمعَ ، فإذا الصوت صوتُها ،
وإذا المنادي ذاتُها، وإذا المطلب هو أمنيته ا،
فكيف لا تستجيب ؟!
وبدأت المسيرة خلف الحادي الجديد هادئةً رتيبة ،
هي للضعف يومئذٍ أقرب منها للقوة ، لكن الله - تعالى - شدَّ أزر
الضعيف وقوَّاه ، وبارك في القليل فكثره ونمَّاه
فغدت دعوة الإسلام في القرن العشرين صوتًا جديدًا ،
نابعًا من ضمير الأمة وعقيدتها ، ارتفع حين خفتت الأصوات ،
وصدع بالحق عندما سكتت الألسنة ،
وأحيا فريضة الجهاد بعدما أُغمدت السيوف وأُلقيت النصال ،
وقدم البذل والتضحيات في زمن الشح والانطواء
وجدد الأمل بالعزة والنصر، وقد سئم الناس ،
وانعقدت القلوب على اليأس والقنوط، فليس ثمة غرابة
أن تلتف الصفوة من أبناء الأمة حول باعث الأمل ،
ومجدد الرجاء.
ثمرة الإخلاص :
ومضى الركب راشدًا ، يُحْيي معالم الدين ،
ويبشر بإشراقة مستقبله ، ويدعو إلى ظلال كتابه ، وعدالة مبادئه.
ولم يمضِ غيرُ يسير حتى غدا للدعوة:
"في الإرشاد لسان ، وفي الاقتصاد يدٌ ، وفي الجهاد سلاح ،
وفي السياسة رأي ، وفي التربية والتعليم أثر ،
وغدا لها في كل بلد من البلدان أتباع
وفي كل قطر من الأقطار أشياع ، وما يقظة الوعي العام في حواضر
العالم وقراه إلا شعاع من هذه الروح ، بدأ يطرح ثماره ،
ويؤتي أُكُلَه ، و
ن له نبأ بعد حين".
واجب أبناء الدعوة :
إنه لَتركةٌ مباركة ، وإرث عظيم هذا الذي خلَّفه رجال الرعيل الأول ،
بعد سعي ناصب ، وسهر دائم ، وصبر على البلاء في ذات الله.
ولن يقوى على صونه وحفظه ، إلا مَن تحلَّى بأخلاقهم ،
واهتدى بفعالهم ، فصبر على ما صبروا ، وآثر ما آثروا ،
وحرص أن يتم البناء على النهج القويم
والخطة المثلى ، بعيدًا عن جلبة الأصوات ، وبهرجة الأضواء ،
وإبراز الذات ،
فلن يثمر عمل بغير الإخلاص وحسن النية.
اللهم أحينا على الإسلآم وتوفنا على الإيمان .. اللهم آمين ..
لكم ودي وحبي